منتدى الكاتب هاشم برجاق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى الكاتب هاشم برجاق

لا اله الا الله محمد رسول الله


    محلات السلط القديمة

    Admin
    Admin


    المساهمات : 427
    تاريخ التسجيل : 09/11/2010
    العمر : 58
    الموقع : hashem.jordanforum.net

    محلات السلط القديمة Empty محلات السلط القديمة

    مُساهمة من طرف Admin الخميس ديسمبر 30, 2010 1:35 pm

    محلات السلط القديمة
    ذبابة تحوم على جثمان أسد


    قادتني مركبتي القديمة إلى مدينة السلط الأبية للقاء الأصدقاء والأحبة هناك وبطريق العودة إلى منزلي المتآكل قادتني مركبتي(عزيزة المهرهرة) إلى أسواق المدينة القديمة هناك بالمدينة الرائعة الغالية على قلوب جميع الأردنيين لأشتم روائح الزعتر والطرخون والمرمرية لمحلات العطارين.
    تلك المدينة التي شهدت الحضارة على أوجه التاريخ باقية صامدة كالجبال الصمّاء المطلة على القدس الشريف ونسائمها العليلات وأهلها الكرام من جميع العائلات الطيبة الكريمة الله محييهم رجالاً ونساءاً
    شيباً وشباباً،،،وفي هذه الأثناء قدتني أرجلي المتكسرة لذلك السوق القديم ومحلاته الأروع وأحجاره القديمة المتكلمة والتي كتب عليها التاريخ قصائد حب وغزل للمدينة الرائعة والتي غنى بها الرجال والنساء جيل لن يتكرر مرة أخرى،،،
    فأين أحبال البامية وجدولة الثوم الأعشاب القديمة وأكياس الرز والسكر والسمن والجبن وسجادة الصلاة القديمة لرجل مسن ما عاد هناك أحد سوى،،،،،بقايا من بقاياه ونرجيلته ما عادت مشتعلة وسيجارة الهيشة ما زالت رائحتها بالمكان وثيابه وشبريته وعقاله وشماغه هناك بجانب المدرقة السلطية الشهيرة.
    لأفجع بهول المشهد،،،مشهد المحلات القديمة المغلقة،،،بلا هيبة ولا مهيب،،،بعدما هددوا أصحاب تلك المحلات بالهدم المرتقب وبزوال معالم المكان ليستبدل بأخرى دخيلة ليس لها معالم بالمكان.
    لتترك جرّافة حقيرة صغيرة تحوم حولها،،،كذبابة تحوم على جثمان أسد،،،فنعم الأسد ويئس الذبابة
    مهما ارتفع سعرها وحجمها الذي لا يعادل دمعة سكبتها على هذه المحلات والذكريات القديمة التي سيفرطّون بها،،،فأين اللعبة،،،،
    فالدول الأخرى تعمل جاهداً للمحافظة على ارثها الحضاري من مباني قديمة وأسواق ومحلات قديمة
    ليزيلوا كل الأصوات وكل الذكريات القديمة ومحلات لا يضاهيها محلات بالدنيا،،،ورجالاً ما زالوا هناك بأثوابهم القديمة الجميلة البهية الملامح الناصعة البياض وذات الرائحة الزكية بالطيب والخلق الرفيع.
    ونساء وأطفال ما زالت ضحكاتهم هناك عالقة بأسوار المدينة،،،باحثين عن ثياب وفاكهة وخضار ولعب للأطفال،،،للحظة أوقفت مركبتي القديمة المتهالكة منذ الأزمان القديمة التي مضى على شرائها قبل ميلادي بخسة أعوام،،،بمنتصف السوق القديم مشدوهاً غير سامع ولا مبال أصلاً بأبواق المركبات التي أطلقها أصحابها لأنهم تعطلوا دقائق قليلة،فرأيت وجه جدي الحبيب وعمومي حاضرين للمكان ولهذا السوق تحديداً،،،فرائحتهم سبقتهم للمكان وما زالت باقية حتى بعد زوالهم،،،عدة سنين.
    وأنا ،،،الطفل الكبير،،،ما زلت واقفاً هناك عند الأحجار القديمة أبحث عن ماء للوضوء وصلاة العصر حاضرة
    بجانب تلك الأحجار القديمة،،،أبحث عن بقايا طعام لعصافير الحي التي هاجرت منذ أزمان،،،وهناك جيفة لحمامة بيضاء باقية هناك،،،وأنا أصبحت على وشك الموت،،،،
    ضّم جدار هذا السوق تاريخ أصيل وتجّار رائعين كروعة المكان،،،من عائلات أصيلة وطيبة حاضرة قبل التكوين
    من الرجال الصناديد،،،الشم،،،الأشاوس،،،،الذين قضوا عمرهم وشبابهم بهذا السوق القديم الرائع.
    هذا السوق إذا هدم فنحن لا نستحقه،،،،لا سمح الله
    لنصبح جيل الفشل والخيبة،،، هل نحن جيل السوبر ستار ومباريات كأس العالم ،،،لا لا بالطبع لسنا كذلك
    هذه اللحظة الحزينة،،،لحظة التأمل،،،لم يسعني سوى دمعة حارقة هربت من بين جفني الملتهب
    فلن أصدق ومهما حصل،،،بأن هذا السوق القديم سيصبح خاو بلا محلات وبلا تجار وبلا ضحكات ولا ذكريات
    أدركت حينها أنه لم يعد هناك شيء محرّم ولا محترم،،،أيقنت لحظتها أنه لم يتبقى قدسية للمكان
    فهذه المحلات القديمة،،،خرّجت الأجيال،،وصنعت الرجال،،،ليس ككل الرجال،،،من أطباء ومهندسين وسياسيين وعمال ومزارعين وغيرهم الكثير الكثير.
    لذا عزمت أمري على أن لا أحتفظ بأي شيء جميل وقديم في حياتي،،،ولا ذكرى ولا تذكرة،،،
    لتصبح المباني الشاهقة يوماً حاضرة ولتغيب الشمس على أعتاب مدينتنا القديمة،،،ولتصبح استثمارات المستشفيات الخاصة التي تحلب المرضى حلباً،،،واقفة تنتظر ذلك القرار لتتشفى،، وتستثمر في المرض ومصائب الناس،،،يا للمفارقة،،،فتلك الاستثمارات القادمة والله أعلم،،،يحق لها أن تطاول مبانيها عنان السماء لأنها تستثمر في الأمراض وفي مصائب وعوز الناس الأقل حظاً،،،
    أما تلك المحلات القديمة التي تطعم الناس حلالاً وتجنبهم الحرام،،،لتصبح عبئاً عليهم
    فإنها تدك من أعلى مبانيها لأسفلها ولأساساتها،،،لم لا ما دام الزمان،،،زمن مال،،،وتجار حرب
    قلبي أصبح موجوعاً،،،ونفسي مفجوعة،،،ودمعتي حاضرة،،،وكرامتي خانعة،،،ويأسي وحزني بلغ سن الفطام وشب عن الطوق بأسي،،،وشاب مفرق وطنيتي،،،
    فلم يعد بهذه البلدة القديمة متسّع،،،لاثنين،،،فإما الكرامة وإما لقمة الخبز التي أصبحت مغمّسة بالذل اليومي،،،فالحق والخير أصبح كالعجوز الميت منذ سنين لا وجود له،،،
    أما لقمة الخبز،،،فما تزال صبية يحق لها أن تمشي بين الناس شبه عارية،،،
    فلعاب المستثمرين والمستعمرين الجدد،،،مصنوع من ورق ومال،،،ليسيل على هذه اللقمة،الممشوقة القامة،،،طيبة المذاق،وزلال الماء حاضر ولكن ؟؟؟؟
    أصرخ اليوم بوجههم وأقول،،،تباً لكم وتباً للقمة الخبز هذه التي أصبحت تنام أحضان المستثمرين الذين يرتشفون كأس النبيذ الأحمر من على أجسادنا المحنّطة والمقهورة تحت لهيب الشمس الحارقة بشهر آب اللهّاب،،،اسمحوا لي الآن أن أبحث عن نعال،،،فقدمي عارية،،،ومتيبسة،،،لإكمال مسيرتي والعودة لمنزلي المتآكل،،،ابكوا اليوم على تلك المحلات فقد حق البكاء،،،
    إن الأمة التي ليس لها تاريخ،،،تستحق الاستعباد
    والشعوب التي لا تحافظ على ذاكرة أماكنها،،،تستحق التشريد والذل
    والبلد الذي لا تراث له،،،لا روح فيه
    والنفس البشرية التي لا يوجد بها متسع للحنين وحب المكان،،،تصبح كالجيفة.
    واللسان الذي لا ينطق بالحق،،،يتوجب قطعه،،،
    فيا دموعي إصبري،،،اليوم،،،حينما تهتك جرّافات الاستثمار تاريخ مدينتي المجيد،،،فهذا المكان وطئته أشرف الناس من كلا الجنسين ومن جميع البلدان والمحافظات.حتى لو يبقى منه سوى الأطلال،،،
    سيبقى هذا السوق بإذن الله حاضر ،،،ذاكرة المكان،،،وحباً للأوطان ابقوا هذا السوق ذكرى وهدية للأجيال فالمدينة بدون أسواقها القديمة وتراثها العريق،،، لا تغدوا مدينة،،،
    سيبقى هذا السوق بإذن الله أسداً قوياً،،،مهما حامت عليه الذباب.


    إهداء لتجار السلط ولأهل السلط الكرام.
    والله المستعان
    الداعي بالخير
    هاشم برجاق
    الموقع الخاص بالكاتب
    Hashem.jordanforum.net
    30-12-2010

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة مارس 29, 2024 2:43 am