منتدى الكاتب هاشم برجاق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى الكاتب هاشم برجاق

لا اله الا الله محمد رسول الله


    رائحة جبل عمان

    Admin
    Admin


    المساهمات : 427
    تاريخ التسجيل : 09/11/2010
    العمر : 58
    الموقع : hashem.jordanforum.net

    رائحة جبل عمان Empty رائحة جبل عمان

    مُساهمة من طرف Admin السبت نوفمبر 13, 2010 11:53 pm

    رائحة جبل عمان


    جبل الأحلام كان مخصص للملابس الراقية وكانت تصطف سيارات الأميرات والأثرياء لشراء أروع أنواع الملابس الفاخرة من ماركات عالمية لم تكن الصين وقتها تفكر بتقليد الماركات العالمية ولا بتقليد الأدوية وساعات ( الاوميغا والرولكس واللونجين).
    (الديبلومات) كان المحل الوحيد الذي يقدم المشروبات الروحية وكانت المشروبات وقتها أرخص من زجاجة الماء.
    شهد الدوار الرابع جميع الاحتفالات الرائعة وكنا بتلك الفترة تلاميذ في مدرسة شكري شعشاعة كان كلما حضر رئيس دولة مثل الرئيس حافظ الأسد أو ملك السعودية رحمهم الله كانت الجمال وما زالت أصوات غضبها قبل أن ينحروها إحتفالا بقدوم الزائر تخيفني لأني كنت أتخيل وقتها لو تملصت من رباطها ماذا سيحصل لطفل بحجمي وكانت اللحمة توزع بدون إستثناء وكأنه وقتها لا يوجد لا فقراء ولا أغنياء كان أبي أغني الأغنياء وكانت رتبته بالجيش ترعب جميع من في الحي القديم حتى أنني كنت اعتقد وقت ما أخذني للمكتب وللمؤسسة العسكرية بأنه قائد الجيش العربي أيام ما كانت المؤسسة حلم يداعب جميع الناس وخصوصا اللويفر الانجليزي او السيريلاك.

    جميع أولاد الحي كانوا يلبسون من نفس ( البالة ) أيام ما كان لا (داوود تايكونز) ولا( دياب) ولا (بركات) ولا (الزي) وما كنا نعرف شو يعني ( انجاروا او روشيه أو ايف سان لاوران).
    كان الجاكيت الشتوي يخدم أربع فصول بدون غسيل لأنه كان ينغسل بالشتاء تقريبا كل يوم وكانت الرائحة المنبعثة كريهة جدا لأنه كان صوف أصلي صوف إنجليزي وكانت (سحبة البالونات) أثمن الألعاب لقلبي لم تكن تعرف الناس بأنه سيأتي يوم وتكون ( البليستيشن والبوكر والفيس بوك) أكثر الأشياء تسليه هذه الأيام .
    وكان سوق الخضار أكثر الأشياء الممتعة في حياتي وكان والدي أطال الله في عمره يتسوق أشهى أنواع الخضار والفواكه أيام ما كان التذوق مجاناً وبإصرار من صاحب البسطة لأنه لم يكن يوجد محلات تغلق أيامها وكانت ضمة البقدونس لوحدها كفيلة لعمل صحن تبوله وضمة النعناع كانت تتنشف وكانت تشارك فيها جميع الجارات اللواتي اشتاق لتقبيل أياديهم والله.
    كانت البندوره الغورانية مع رشة الملح أشهى أكلاتي وخصوصا مع رغيف الخبز الذي تخبزه أمي الذي لم يصنع أي خبازبعد مثله
    وكانت قلاية البندورة تقطع على المقلى يدوياً بدون أي أدوات لم تكن شركة (السلفرايج) قد صنعت (أحد) من سكينة والدتي القديمة التي كانت تقطع جميع أنواع اللحوم وبدون علم أمي كنت أصنع بها طائرتي الورقية وأضع العجين بدل الصمغ بورق الجريدة.
    وكانت السينما بلد العجائب لم أكمل فيلما واحدا وكان أكبر همي أن اعرف من أين تخرج الصورة.
    أما التلفزيون فكان السحر بعينه ولغاية الان أشعر بأن ( إبراهيم شاهزاده ورافع شاهين) كانوا يشاهدوني وأنا ألبس البيجاما وأنا أكل وأنا أشرب، أما محمد أمين فكان صديق أبي لأنه كان مذيع الإخبار المفضل وكان السؤال وقت الأخبار من المحرمات وكانت أسئلتي البريئة تأتي في ذلك الوقت وبدون سابق إنذار كانت (حفاية أبي الإيرانية) تأخذ الإجراء السريع أكثر ما يحيرني بأني لم أفلت من ضرباتها مباشرة لأن أبي الحبيب كان يحب كرة القدم حتى عندما أهرب للزاوية كانت تصيب الهدف حتى أني في بعض ألأحيان فكرت بمعاقبة هذه (الحفاية) وأصنع منها إبريق للوضوء كان أكبر عقاب أكلته في حياتي عندما أخذت من الجيران قرشين لشراء شلة خيطان من أجل طائرتي الورقية التي بسببها إنفتح راسي بثمانية قطب أيام ما كانت عيادة الطوارئ بوسط البلد وكان المخدر الوحيد هو السؤال (شو يشتغل أبوك و وين ساكن) أي والله كنا قرود أبوي كان على حق وبستاهل.
    وكانت أول ساعة يد أخذتها من أبي هي (جوفيال) من حبي لهذه الساعة فتحتها وأضفت لها نقطتين زيت زيتون حتى تبقى رشيقة وشغالة وكانت آخر مرة تعمل فيها.
    ما بدي أحكيلكم عن يوم الطهور لأنه الحارة كلها شاركت في هذا المشهد الخرافي وهم يمسكون بي مثل خروف العيد وأكثر ما يحيرني بأن جارتنا أم محمود كانت تطلق الزغاريد لدرجة أني اعتقدت بأني سأموت حتما وعندما لبست (الدشداشة) فهمت ما يعني الطهور عندها تذكرت بان أبي طلب مني استدعاء الحلاق اللي على درج الزعامطة وقال لي بأن أهمس بأذنه وأقول له: أبي ينتظرك اليوم (يلي بالي بالك) فكان سعيدا وقتها مبتسما لم أكن أعلم بأن الموس كان ينتظرني كنت ( فيلسوف زماني طبعا).
    أما عندما قامت حرب أيلول الأسود فكانت لعبتي المفضلة بأن أجمع الطلقات الفارغة وكنت وقتها طفل لم أكن أعلم بأنها الحرب فعلاً وبأن الشموع التي تصب بزجاجات الويسكي الفارغة هي للإنارة من الظلام الدامس الذي كان يعم أهل عمان وكان عمي رحمه الله يجلب لنا بسكويت (ج ع) العسكري لأنه الغذاء الوحيد وقتها الطبخة الوحيدة التي أتذكرها في الحرب هي الكوسا المحشي على صوبة علاء الدين والخبز فوق غطاء سمنة الغزال وقتها قررت أن أرفع راسي وأشوف شو اللي عم بصير (ستي) الله يرحمها من شدة الخوف علي لأني وحداني بعد بنتين (لا للتمييز) صفعتني هذاك الكف اللي حاسس إنه لونه أحمر لليوم لأنه وقتها كان بسهولة قنص أي جسم بتحرك (عمر الشقي بقي)
    كانت تشرق الشمس من بيت أبي وتغرب منه، وكان أبي وأمي أول من يسمع أغاني أم كلثوم التي تبث لأول مره فتقول أمي لأبي (حسيبك للزمن) ويرد عليها (لسه فاكر قلبي يديلك أمان) وتقول له (هجرتك) ويرد عليها (الحب كله حبيته فيك) وكان المذياع يرقص طربا مع أجمل كاسة شاي بالنعناع وفناجين قهوتهم تفتح للبخت.
    انتقلت للمدرسة الإعدادية وكنت قد حصلت على شهادة (الايزو) بكتابة الرسائل للشباب والبنات وكنت أتقاضى خمس (جلول) ملونة على كل رسالة أيام ما كانت عمارة التأمين بجبل عمان أكثر الشوارع رومانسية وشاعرية وخصوصا الورود التي كانت تباع على مدار العام وكأنها تعيش أربعة فصول وكان مستشفى (ملحس) من أكثر المستشفيات حضارة ورقي وكان للعشاق شارع أسمه شارع الياسمين وكان مطعم معتوق من أشهى المطاعم وشاورما (ريم) أقل ازدحاما وأبو أحمد كان بموتنا بأطيب رائحة مشاوي ومعجنات مدام مشحور ما أروعها من إنسانة وما أطيب نفسها، وكانت سينما الرينبو أكثر رقي وكانت سينما الخيام أكثر رواجاً للعرسان الجدد مع الكزدورة وبوظة عبده والاسكيمو ينتظروها الناس وقت العصر وكانت أشهى من (الايس بيرج) وكان الخيار له رائحة شهية طوال النهار ويوجد عدة أحجام للسلطة والمخلل، ولا يوجد ملوخية جاهزة ولا كوسة منقورة ولا حاملة مفرطة وكان (العتال) يعرف تقريبا معظم المنازل وكانت أجرته قرشين ونصف وكانت قهوة عمتي أشهى من من قهوة (ستاربكس وجافاليا وفولجرز)، أما طنجرتها فكانت الطنجرة العجيبة كان يأكل منها كل أعمامي العشرة وكانت من الألمنيوم ولم تكن شركة (تيفال) قد وصلت إلى مطبخها، وكان عدد السيارات أقل وعدد الجرائم أقل وكان الخبز يحضر في البيوت. وكان الحمار وسيلة لنقل كيس الطحين من جسر المهاجرين إلى المنازل وكان زيت الزيتون أصلي وغير مغشوش وكان صحن الفول فول يأكل، وكانت حبات الزيتون تتسابق مع بعضها في الصحن، وكان البيض بصفارين وكان لبن المخيض أطيب-- يباع من (السعن) إلى المستهلك قبل اختراع غسالة (كالور) وكان العم أبو محمد يمتطي حماره (السوبر تيربو) الذي كان يعرف أين يقف ومن هم مدمني اللبن أمثالي، كانت (الكيلة) تزن وقيه وكان التذوق مجانا وكانت المياه قليله وكنا نملئ جلانات المياه السوداء بالماء ونخزنها وكانت ساخنة للحمام بدون عناء التسخين، وكان (الببور) ملك المطبخ فعلى هذا الجهاز الرائع أكلت منه الناس أشهى أكلات العمر من المناسف والفوارغ والكرشات ولم تكن هناك غازات (زانوسي ولا يونيفيرسال) وكان الأكل أشهى وكان الأكل الذي يوزع أكثر من إللي يؤكل.
    وكان يجلب الدفء والإنارة وقليل الاستهلاك، وكان يقطن جبل عمان ارقي العائلات ومنهم من هو سياسي ومنهم الكتاب ومنهم وزراء وغيرهم من الناس الطيبين.
    وكانت شوارع جبل عمان أحن ولم تكن الحجارة قد أستبدلت (بالزفتة) بعد، وكان البيت الذي يربى فيه طيور الطاووس بجانب المدرسة الأهلية للبنات أجمل من حدائق هولندا والطيور البرية وعصافير الجنة كانت تسكن في جبل عمان حي التوت والعنب ومركز الرياضة في الجبل كان قد تخرج منه كرستيانو و رونالدوا وميسي وزيدان.
    سرقوا مطعم عمو أبو أسامة مني الذي كان يبيع كاسة الشاي مع السيجارة بقرش ونصف وأطيب ساندويتش فلافل بقرشين واستبدلوه بمحل كافيه للأجانب بس (قال يعني).
    كان قصر البلبيسي أجمل قصر في عمان وكل رجالات الدولة من الأردن وسوريا تجتمع فيه وكانت مزروعة فيه أجود أنواع الفواكه وكنت قد سرقت منه أشهى أنواع الفاكهة ولو عرفوا مكاني لدفعوني ضريبة كسر بعض الأغصان، مشان الله سامحوني.
    وأذكر جيدا ذلك الشارع الرائع ومنزل المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه والمدرسة الأهلية للبنات وكنيسة الروم وجامع العمري وجامع الشراكسة وجامع ألصفدي والدوار الأول الذي كان بوسطه برميل وشمسية حديد وكان أقل ازدحاما وأكثر اتساعا وكانت الجيران تنام على (الأسطح ) في فصل الصيف ولم يكن هنالك حالات اغتصاب ولا سرقات وكانوا الناس برمضان أكثر قناعة وأقل مجاعة ومدفع رمضان أروع ساعة،،، والأسعار بمتناول الجميع وكانوا الناس يتبادلون الأكل مع بعضهم البعض ولم يكن هنالك متسولون إلى هذا الحد.
    وكانت الرواتب قليلة ولكن فيها بركة وكان رغيف الطابون من صنع الحاجة أم محمد أشهى من أي خبز طابون وخصوصاً بأني كنت أحضرحجار (البحص) من سيل عمان بنفسي ووضعهم بالفرن (أبو دان) لأحصل على أول رغيف سخن.
    وكانت الناس تفرح بالمواليد الجدد وكان لأخي الأصغر احتفالا رائعاً بعد ولادته بمستشفى الأشرفية وقت حرب أيلول الأسود حين وضعت (جدتي) الله يرحمها أساورها الذهب (المباريم) للحصول على شرشف أمانة خوفا من مرض (السحايا) آنذاك وكانت رائحة القرفة والكراوية تملئ المكان ونساء تدخل ونساء تخرج وكان الأكل مجاناً ذلك اليوم كل ما لذ وطاب والقهوة السادة سيدة الموقف من الجارة أم زهير التي كانت ( تهذب) أجمل أنواع (الشماغات الأردنية ألأصيلة)
    وكان أول (دليفري) رأيته في حياتي هو السلة المربوطة بالحبل من بيت عمي أبو الوليد إلى بيت جدي كانت ممتلئة بالأشياء اللذيذة وبالعكس تعود لبيت عمي ممتلئة بأشهى أنواع الفاكهة. جدي الذي مات من حزنه على أخيه الذي مات قبل شهر وكان آخر طلب له سدر منسف ورؤية أحفاده ولم يكتب له تذوقه، ورثته الوحيدة بيجامته الطاهرة النقية ورائحة صلاة العصر فيها.ومبلغ زهيد من المال ,وملابس الصلاة التي تخص عمتي أراها كل يوم تصلي أمامي ودعواتها لا ترد إلى الأرض وأشم رائحة (الكرز) ورائحة الورد الجوري الأحمر في ملابسها وكانت الملائكة تزورها كل يوم وتتناول معها طعام الغداء وكانت نقية مرضية وعفوية وكانت أم الجميع من أخوان ومن جيران وكان وجهها يشع منه النور وكان ماء الوضوء يخجل من صفاء ونقاء وجهها وكانت تخبئ لنا (ملبس على لوز) (وملبس على قضامه) ولم يكن الكاندي مكتشف ولا كندر سبرايس وكان العنبر يباع كل يوم على سدر ألمنيوم وهريسة السميد والكعك بسمسم مع الزعتر الأصلي وكانت الحاملة المشوية تباع على الدواوير والترمس المالح وكرابيج الحلب ودحدح كنايف.
    وكان منظر بساتين أبو شام و سيل عمان أجمل وكانت الناس وقتها تصطاد الأسماك منه وكنا نعرف حجم الشتاء ونعرف أبو ذنيبة والضفادع ونقذف الحجارة بالماء لأمتار.
    من يتذكر (حكحك أبو الطناجر) أو (نابليون) كانوا يضعوا النياشين على صدورهم مع أغطية (الكازوز) وثياب لم يعرف أحد من أين جاءت هذه الثياب وأين ذهبت وبائع الحلوى (حلي سنونك).
    وما عدنا نقتلع أعشاش العصافير ونسرق بيضهم وما عدنا نلعب في ملعب السفارة الأمريكية، ما زالت خيطان طيارتي الورقية عالقة على أشجار السرو وعلى أنتينات الجيران وما زال نقش قلب الحب عالقاً على شجرة التين بجانب وزارة الزراعة سابقاً.
    وكنا قد نقشنا أسمائنا بجانب الحاويات ولم نكن نعلم بأنه عيب علينا فعل هذا مع أنه كانت الحيطان أنظف ودرج الحارة ينظف كل يوم من الجميع لا يوجد امرأة مدخنه في الحارة ولو وجدت لكانت ترجم بحبات البندورة لأن النساء كانت أكثر طاعة وأكثر خجلاً وتزور النساء بعضها البعض حين يغادر الرجال وكانت غلاية القهوة تروي قصص وحكايا الصبايا والبخت (الطالع) وكان لباس النساء أقل سواداً
    وأيدي النساء كانت أكثر نعومة لم يكن (للمناكير) متسع ولا (للفازلين) يوجد رقع، كان الشعر أكثر بياضاً ولم يكن لشركة (أوريال) مكاناً على شعر النساء ولا للعدسات اللاصقة كانت العيون أجمل وأوسع، وكانت أساور( المباريم) أكثر أناقة ولا وجود لكلمة (سوليتير) أي معنى في قاموسنا العربي.
    ولا نستطيع النظر لبنت الجيران لأن سطل الماء وقوار الفخار كان أسرع من الصوت وكان شباك (الأرابيسك) يحمي خجل صبايا الحي.
    أشم رائحة مقلوبة أمي على الباذنجان من أول دخول الحارة وكانوا الجيران يعرفون أسمي الثلاثي وتاريخ ميلادي، كانوا يملئون الحي برائحة المعمول ألبيتي وكان العيد أجمل وكانت صلاة العيد أطول وكان صوت المؤذن بدون سماعة أكثر خشوعا وكانت مخافة الله حاضرة وكان اللباس العربي والشماغ أهيب وكان العزاء يدوم لأربعين يوما وتقدم فيه الولائم وكان يحضر الطعام في نفس المكان وتشم رائحة الجميد من كل مكان وكانت الأعراس تمتد لمدة أسبوع كامل مع ثلاثة أيام سهرات ودبكة الشباب تزلزل المكان ويقدم فيه الشاي والقهوة السادة والدخان وكانوا يضعون الليمون على الشاي ولم تكن شركة (ليبتون) قد حيكت (شاي الميداليات) ولم تصنع منه على نكهات وكانت القهوة تحمص في البيوت الفقيرة وكان (المهباش) حاضراً ولم تكن (مولينيكس) تعرف كيف تطحن القهوة العربية بعد.
    كان الدخان أقل سرطاناً لم يكن هناك (مارلبورو) السيجارة التي أكثر تهريباً في العالم ولا (دافيدوف) ولا قداحات (الكريكيت) ولا (البيك) ولا (الديبون) أم كشخة، والناس أقل أمراضاً وكانت النساء أكثر حشمة وأقل إغراءًا.
    وكانت كراسي الخشب القديمة أول قطار خشبي أركب فيه مع أولاد الجيران لم أكن قد رأيت قطار ماركا بعد، وحصلت على لقب (حج بس) هذا يعني أني (بس) ماكر وبأني جعلت الفئران تصدق بأني ذهبت للحج ولن أكلهم ودعوتهم على وليمة فأكلتهم واحد تلو الآخر بدون رشة ملح، وكان أول تلفزيون يدخل الحارة تلفزيون أبي الشهير (توشيبا) ولم يكن الريموت كنترول قد أُخترع بعد، وتناقل هذا الجهاز العظيم، منازل عدة ووضعنا عليه الجلاتين الأزرق ليصبح أول تلفزيون ملون في العالم وكان أولاد الحي يحضرون لمشاهدة التلفزيون وكانت أمي الحبيبة تحضر لنا الشاي وكان يفتح الساعة السادسة صباحاً، وكان التحكم عن بعد يساور أفكار الناس وكانت المصارعة يوم الثلاثاء وكان رافع شاهين مقدمها وأذكر (بج دادي) أيام ما كانت المصارعة بدون دماء وأقل تمثيلاً وكان الحكم صاحب قرار وكان حلم أن ترى مبنى التلفزيون الأردني من بعد وكان مسلسل أبو عواد أجمل من جميع المسلسلات التركية ولم يكن فيه تلك القبل ولا الإيحاءات المجنونة وكانت الأخبار تكتب على الورق يدوياً وكانت أغاني نجاة الصغيرة وفيروز الوطنية أجمل وكانت الدعايات أقل.
    كانت نمرة السيارة أقل أرقاما وكانت عجلات السيارات أقل انتقاماً وكان شارب الرجل أصدق من أي شيك بنكي، كانت كنافة (الفقراء) تصنع بالمنازل وساندويتشات السمنة والسكر والزيت والملح أكلات مشهورة والكعك (المدور) يربط بحبال ويعلق في المطبخ و(بزر) البطيخ كان يغسل وينشف ويحمص للسهرة كان صوت ربابة، (عبده موسى) وصوت (سلوى) أوسع انتشاراً ومازن القبج وإبراهيم السمان كانوا أشهر من (جون كيلوني وميل جيبسون و دكتور فيل) وكانت( كوثر النشاشيبي) أوسع انتشاراً من (أوبرا) حالياً، من منكم يذكر برنامج (من الأهل والأحبة سلام) مع أغنية فيروز آن ذاك وسلامي لكم يا أهل الأرض المحتلة وبرنامج ما يطلبه المستمعون الساعة الواحدة ظهراً،وتوفيق النمري وأغنيته الشهيرة (ويلي ما أحلاها البنت الريفية) وصوته الدافئ كان يطربنا كل صباح قبل ذهابنا للمدرسة، وسميرة توفيق عندما كانت تغني أروع أغاني للجيش العربي، وشعر الأستاذ حيدر محمود الرائع وصوته الدافئ وقصائده الرائعة، والشاعر سليمان عويس صاحب الكلمات البسيطة والمعبرة كان يقول، (صباح الخير على التلة وعلى الوادي) صباح الخيرعلى الدبدوب صباح الخيرعلى الفرولة صباح الخيرعلى المحبوب وكمان قال الطيون واللزاب والعسكر والطلاب.
    وصوت بحة المذيع الرائع (موسى عمار) الذي أكن له كل إحترام.
    حبال (البامية) ما زالت معلقة في أطلال بيتنا العتيق ( وجدولة الثوم)
    وما زالت هناك في ركن المطبخ وما زال طبيخ أمي في الغربال صامد بدون تبريد (وزنبرك) البرداية ما زال معلق وما زال (وبر) قطة أم سليم الأسود تحت سريري ومخدة الريش ما زالت هناك أيضاً وسيجارة (جولد ستار) كنت قد خبأتها تحت رفوف المطبخ، وثقبا قد أحدثته في الجدار لأخفي أول رسالة استلمتها من الحبيبة، وحريقا صغيراً صنعته بعيدان الكبريت في مفتاح بيتنا وسلك صغير، وإبرة العجوز والخبيزة قد رحلوا من زمان.

    كانت الأنفلونزا فقط للبشر ولم تكن الطيور والخنازير قد استولت عليها أيضاً، ولم تفكر الأبقار بالجنون يوماً، فكانت الأرض عطائها أكبر وأكثر اخضراراً وأشجار الزيتون لم تقطع من أمام أرصفة المنازل بعد، لم نعد نرى الطيور المهاجرة كما كنا نراها، حتى السلاحف قد سافرت بدون فيزا والحمام العمري طلع تهريب، والقطط أكثر حيوان أليف في المنازل كان قنوع أكثر من ( بقية الدجاجة) ولم يكن يجرئ الصعود للحاوية ونبش النفايات وكانت كلاب الحراسة فقط خارج المنزل وكانت أكثر شراسة وأشد وفاء ولم تكن تجرأ لأخذ قبلة من أحد ولا تعرف الدلال. وكان التين يُنشف في البيوت (قطين) وكان عصيرالبندورة طبيعي يُنشف تحت أشعة الشمس على سدر الالمنيوم وكان الزيتون ينعصر أحياناً في البيوت واللبنة المكعبلة بالزيت والمخلل والمكدوس زينة المطبخ فوق أغطية من البلاستيك المنقوشة.
    كان سوق (الوحام) في وسط البلد وجهة أزواج الحوامل وكان فيه جميع أصناف الفواكه,لدرجة أني تمنيت الحمل وقتها، وفلافل فؤاد كانت الأشهى مع كاسة زهورات.
    وفحم الشواء تنتقيه بالحبة، وأصابع زينب والعوامة كانت أشهى.
    وكانت بدلات عمي غازي أكثر أناقة وإبداعاً وموديلات الشعر كانت الأجمل في تاريخ الأناقة وربطة العنق التي كان يربطها أبي كانت الاشيك وجبين أمي كان كالترياق يشفيني من الهم والحزن.
    كان الحليب يوزع بسيارة ( أوبل ريكورد ستيشن) بزجاجات أنيقة، وكانت زيارة المريض تغلفها أكياس الفواكه الورقية المصنوعة من أكياس الاسمنت الفارغة، وكانت علبة الخيطان والإبر في كل بيت مع مجموعة ملونة من الأزرار لا تنسوا (الكشكبان) للحماية من وخز الإبرة في علبة (توفي) والصور القديمة في علب (الشوكولاتة) الفارغة، ولبسة العيد تنام تحت رؤوسنا والبوط الأصابع الصيني كانت مرة بالسنة.
    كان المصلون يوم الجمعة أكثر التزاماً ومصلون يوم الأحد أكثر احتشاماً، وكان الفقراء ينتظرون رزقهم وهم في منازلهم ودموعهم وعزة نفسهم تراها قبل السؤال هل هذا بيت أبو فلان، وكان عدد الأغنام أكثر من عدد البشر وكان (جاعد) الخروف أجمل من أي سجادة عجمية، وكانت الصبايا أقل (عنوسة) وكان أبي قد خطف أمي وهي في مريول الدراسة كانت تلعب لعبة (الاكس) هي وعمتي، وكانت قد تعلمت أولى طبخاتها من جدتي وهي (الجز مز ) وكان أبي متزوج وينام هو وإخوانه الأصغر سناً بجانب بعضهم البعض كيف لا أعرف، والأخ الأقل حظاً يجد من يقف بجانبه وقليلاً من ناموا بدون وجبة عشاء وكانت الناس أكثر سخاءً وأقل همجية وأكثر تعقل من دون جامعات ولا شهادة ثانوية.
    وكان بيت جدي أجمل البيوت وأوسعها وكانت (الداليه) تحمل لونين من العنب وأعمامي أصحاب اختراع الستلايت بوضعهم أول صحن الألمنيوم على الأنتين، وكنت أنا صاحب اختراع الموبايل وكنت أربط علبتين لبن الراعي بخيط مصيص وكنت أسميه (بوكيا) وهكذا سرقت شركة نوكيا اختراعي وأسم جهازي الذي كان يعني ( أبوك هون) لم أكن أعلم بأن سدر المنسف القديم الذي وضعناه على السدة بأنهم سيضعون عليه خازوق (لاقط) بلغة التكنولوجيا، بأنه سيحضر جميع الأخبار المباشرة من مباريات ومن حروب وتغطية حالات الانتحار من دوار الداخلية ويجلب جميع الأفلام المشفرة وغير المشفرة.
    وكانوا الناس يضعون الثلاجة بالصالون بكل فخر وكانت الفرشات
    متوفرة لكل الزائرين وكانت الأرض أروع طاولة سفرة. ما زلت أرى أبي وهو يقطع اللحمة للأيام القادمة ويضعها في أكياس النايلون على قياس واحد والله أيام اللحم البلغاري والدجاج الحي والكبدة الطازجة ليوم الجمعة، ولم يكن اللحام يعرف الغش بعد وكانت زيادة البياع من الخضرجي قائمة ولم يكن للكيماويات وجود وكانت الخضار والفواكه تقطف في موسمها المعهود وكان البطيخ أكبر حجما وألذ طعماً مع الجبنة البيضاء شكلي ( بلشت) أجوع وكانت شجرة المشمش التي تخص جدي تطعم جميع من في الحي وكان ينام على تلك الشجرة ديك عمي أبو ناصر الذي يحب الدجاج والحمام ليومنا هذا وكان أبي يسرق كل يوم إما أرنب وإما ديك وكانت والدتي تشاركه هذه الجريمة وفي يوم وعندما أفرغوا من الأكل طلبوا من خالي الذي كان يزورهم أخذ كيس الريش، وكان ( كولمبو) لهم بالمرصاد فكان عمي أبو لؤي أول من اكتشف الجريمة حيث كان أسم أبي على المغلف أن ذاك (القيادة العامة) العريف محمد سعيد وكانوا جميع أعمامي يبدأ اسمهم ب محمد أمين محمد غازي محمد سعيد محمد عيد محمد ماجد محمد عصام محمد زياد محمد إبراهيم محمد يوسف، وهنا أسدل الستار عن سفاح الأرانب والديوك انه أبي بكل تأكيد,وكان لكل عم من أعمامي منصب رفيع سواء في الدولة أو في قطاع التجارة فمنهم أول دبلوماسي ومنهم رجال قوات مسلحة مميزين ومنهم أول خريج من الجامعة ألأردنية ومنهم أول بطل (جودو) على المملكة ومنهم أول تاجر قماش في الشرق ألأوسط ومنهم من سافر بالطيارة لليونان للدراسة حقا إنهم أعظم الرجال.

    ومات جدي وهو فقير الحال وماتت جدتي وهي ما زالت طفله وبريئة لا تعرف سوى الحب والحنان رحمهم الله، نظارة جدي ما زالت موجودة لم تنكسر والراديو ما زال يعمل وفنجان قهوته ما زال دافئاً وحقيبته القديمة ما زالت أوراقه الصفراء فيها,جدي أنا لم يمت فصورته في كل وجه رجل صالح وسجادة صلاته تحت كل متعبد وطاولة الزهر هذه الوحيدة التي أشك بأنها سرقت (والنملية ومشك الصحون ) كانوا قد سرقوا أيضا، كانت الحياة بسيطة والناس كانوا أطيب.
    هذه الكلمات حقيقية وليست من خيالي ويوجد المزيد، سامحوني على هذه الكلمات البسيطة والأخطاء اللغوية وعفويتي..... كل ما أتمناه أن يعود جبل عمان كما كان...... اشتقت إلى بيت جدي وصوت أعمامي يزلزل المكان..... اشتقت لحضن جدي .... لشم رائحة معجون حلاقته وأزرار بيجامته .... لم يكن يستخدم العطور .... كان جدي عطره رباني .... إشتقت للعب على ركبته .... اشتقت أيضاً للعب بنظارته أحببت فقره وعزة نفسه .... اشتقت لصوته المبحوح .... كان لا يعرف سوى حب الناس والعطف عليهم بالرغم من ضيق الحال بصراحة أكثر.
    اشتقت إلى جدي
    هاشم برجاق
    18-5- 2010


      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء مايو 15, 2024 12:12 am