منتدى الكاتب هاشم برجاق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى الكاتب هاشم برجاق

لا اله الا الله محمد رسول الله


    عصفور حل ضيفا بسجن الجويدة

    Admin
    Admin


    المساهمات : 427
    تاريخ التسجيل : 09/11/2010
    العمر : 58
    الموقع : hashem.jordanforum.net

    عصفور حل ضيفا بسجن الجويدة Empty عصفور حل ضيفا بسجن الجويدة

    مُساهمة من طرف Admin الأربعاء مايو 04, 2011 10:54 am

    عصفور حل ضيفا بسجن الجويدة

    أسبح الله تعالى كعادتي كل صباح وتحديدا عند صلاة الفجر ولذلك الصوت الرائع الذي ينادي (حي على الصلاة حي على الفلاح )ائتوا الفجر تؤتون الأجر فما أجملها من كلمات قبل صحيان البشر وتعم الفوضى وأصوات المساجين الجياع الباحثين المصطفين على طوابير الطعام وصحون فارغة تشتهي ملؤها بالطعام اللذيذ وكوب من الشاي بالنعناع فكل هذا شبه مستحيل لظروف يقال عنها أمنية،،،،،،،
    بعد صلاة الفجر بقليل وأنا أنشد بعض الابتهالات وأسبح الرحمن شعرت بعدها بالنعاس ولم ألاحظ ولم أشعر بشيء فقط النعاس غلبني وبدون الانتباه دخلت سجن الجويدة بالخطأ وتحديدا السجن الانفرادي من شباك السجن الانفرادي لرجل طاعن بالسن ،،،بداية قلت بنفسي وأنا عصفور صغير لا حيلة لي واعتقدت بأنني سأذبح ويعملوا علي شوربة فريكة أو أكلة عصافير محشية بالرز واللوز والصنوبر ،،،،لعنة الله على الشيطان لأني تسرعت بالحكم على هذا الرجل الطيب ونظرت بعيوني الصغيرة إلى أوصافه فكانت أوصاف رجل متدين وله وجه يخجل منه ماء الوضوء من شدة سماحة وضياء وجهه،،، فأحاطني بالحنان وجلس يمشي يده المرتعشة على ريشي الناعم فشعرت وقتها بالهدوء وبأن أعصابي ودقات قلبي السريعة التي تخطت حاجز 250 ضربة بالدقيقة بدأت بالهدوء النسبي،،،،سألني الرجل ما الذي أحضرك إلى هنا برجليك فأنت لك أجنحة ويا ليتني أملك جناح واحد لكانت حياتي تغيرت فقلت له مهلا بني البشر فنظر لي وقال لي هل أنت تتكلم فقلت له الطيور تتكلم نعم والذي يعيش بهذه الأيام وبهذه البلد يتعلم كل شيء ففرح الرجل ومن شدة فرحه قال لي أنت اليوم ستنام عندي وأنت بحكم الضيف العزيز لذا يتوجب عليك الاسترخاء وعدم الخوف فنحن الاثنين مساجين وبأحيان أحمد الله على سجني فأنا كافي الناس خيري وشروري.
    فتأملت بهذا الكهل وسألته مترددا وخائفا من غضبه لسؤالي هذا فقلت له يا عمي ،،،ما الذي أحضرك هنا فضحك الرجل وتبسم فقلت بعقلي(أكلنا هوى) فقال لي الاستقامة هي التي أحضرتني إلى هنا فقلت له هنا أنت أكيد تمازحني فهل الاستقامة تدخل السجن ؟؟؟ فقال لي نعم الأمانة أصبحت جريمة ويعاقب عليها القانون أشد العقوبة لتصل أحيانا للأشغال الشاقة المؤبدة فقلت له يا عمي فهمي على قدي ومخي صغير قلبتلي راسي فهمني مشان الله،،،فقال لي قصتي أيها العصفور بأني كنت أعمل بإحدى الدوائر الحكومية أمين صندوق لمدة طويلة وأحمل معي من النقود مبالغ كبيرة وأضعها بالخزنة المخصصة لهذه الغاية ولم أكن أعلم بأن أحد الأشخاص كان يكن لي العداء والبغض فعمل على سرقة مفتاح الخزنة خلسةًً أثناء ذهابي للوضوء لصلاة الظهر فبعد الصلاة اكتشفت بأن الخزنة مفتوحة ولم يتبقى منها شيء يذكر لا نقود ولا عقود ومن شدة الصدمة وحجم المبلغ المسروق وقعت أرضا ليجهزوا علي هزازين الأذناب والسارق اللعين بالضرب المبرح واتهامي بالسرقة وبدون أن يتركوا لي أي بصمات تذكر على الخزنة سوى بصمات يداي التي عملت مدة ثمانية عشرة عام بنفس المكان وأقسمت لهم بعدم أخذ أي من المبالغ فاعتقدوا وقتها بأن فقري ألزمني بسرقة هذا المال الوفير وعملوا مسرحية قديمة ومنتهية مدة صلاحيتها بأني أنا السارق والمتهم الوحيد بهذه السرقة ولم يصدقني أحد وخصوصا وضعهم مجموعة أوراق وبقية دنانير تحت فراشي المتعفن بالغرفة اليتيمة التي أمتلكها فكانت المصيبة التي حلت على رأسي وحكموني بالسجن لمدة طويلة وحقيقة لا أعرف ما هو الشهر وما هو اليوم ولا أعرف كم قضيت من مدتي وكم من السنوات تبقى لي هنا،،،،
    فقد قضيت أيام أمر من العلقم وتعرضت للضرب والإهانة وما زالوا كل أصدقائي وعائلتي يعتقدون للان بأني السارق فتمنيت الموت سجينا قبل الخروج من هنا فأصبحت وحيدا وتعودت على الوحدة القاتلة والظلام الدامس أعيش لتوحدي مع الله وأقرأ القران الكريم بشكل دائم ولم يتبقى معي سوى الذكريات القديمة فتخلى عني جميع الناس إلا الذي لا يغفل ولا ينام فأصبحت أتذكر سيدنا يوسف عليه السلام وماذا فعل بسجنه والنظام الذي أحدثه هناك وتمنيت لو بمقدوري تغيير أي شيء للأفضل ولكن هيهات لهذه الناس فهم أصبحوا شديدين العداء لكل شيء فهم يتقاتلون بشكل يومي ويغتابون بعضهم بعضا ويكنون العداء لبعضهم ويتباهون باللواط وأصبحوا عصابات بداخل السجن وكل مجموعة لها توجهات ونظريات ونسيت أن أذكر لك بأن أغلب السجون تمتلئ بالمظلومين بأغلب الأحيان والناس بالخارج يحكمون علينا بكلمة (ابن سجون)للممات ففضلت الرضوخ والموت هنا من شدة الاتهامات والظلم الإنساني بالخارج وغلاء الحياة المعيشية وأجور السكن وسمعت هذه الكلمات من بعض المساجين الجدد الذين سرقوا حديثا من شدة الجوع الكافر فحمدت الله على سجني هنا لأنه ليس بمقدوري العيش بهذه الغابة التي تحولت حديثا محدثة التوحش لجلب المال وتردي الأحوال الاجتماعية والمعتقدات والخلق العام فأصبح الأخ يأكل ويمرح وبالجوار أخوه الإنسان يموت من شدة العوز والفقر ومفارقات الحياة كثيرة وتناقضات المجتمع أكثر. فكنت طيلة السنوات الماضية ألتقي بأشخاص منهم الطيب ومنهم من ذووي السوابق ومنهم مظلوم ومنهم قاتل وشريحة كبيرة فهذا سجن،،، والسجون مليئة بالأحداث والناس فهو مجتمع مكتمل بكل الممثلين منهم يلعب أدوار البطولة ومنهم من هو مبتدأ ومنهم من يلعب بالكواليس ومنهم كورس ومنهم المخرج والكاتب والمنتج ومنهم رجال أعمال يحركون عناصرهم لافتعال المشاكل ومنهم تجار دخان ومنهم يتاجر بأرواح الناس فالسجن يا أيها العصفور الرائع عالم آخر،،، فنظرت للحائط وشاهدت صورة لامرأة وأطفال وبدون أن أسئلة هم وأجهش بالبكاء والنحيب والأنين فكانت هذه الصورة لزوجته وأولاده الثلاثة ومضى أكثر من سبعة أعوام ولم يشاهد أحد منهم بعد زواج زوجته من أحد الرجال وضياع بقية الأولاد وشعرت بالندم الشديد لسؤالي هذا السؤال فقال لي خسرت أكثر من هذا من عمري وسمعتي ولم أبكي قط ولكني عند رؤيتي أولادي تنهمر دموعي رافضة الانصياع لأوامري وهذا هو الكائن الشري فهو كتلة من الأعصاب الملتهبة،،،،وبهذه اللحظات وبعد انقضاء فترة طويلة لي بالسجن الانفرادي هذا،،، يفتح الباب علي من جديد ليبلغوني رجال الأمن بأني سوف أخرج بعد أيام بعفو ملكي وصدرت الأوامر وبقي لي بعض الملابس القديمة وساعة يد (جوفيال) لا تعمل بعد وقوفها منذ الأزمان الغادرة ويوجد بمحفظتي نقود لا تستخدم بالخارج ولا حتى تعطى لسيارة أجرة فجلست لحظتها وبدأت بالتفكير إلى أين سأذهب والى من سألجئ فالكل يعرف بأني سارق ولا يمكنهم الثقة بي أبداً،،،فلا أرض ولا وطن ولا عنوان أخ على هذا الزمان،،،،،
    فكنت فرحا بالتعرف على هذا الرجل الطيب فوجهي كان فأل خير عليه وفضلت البقاء معه لعدة أيام أعيش أنا وهو على الفتات لغاية خروجنا من هذا السجن الذي أتعبه لسنوات طويلة وقاموا بوضعه مع مجموعة من المساجين الآخرين للأيام القادمة قبل الخروج من السجن فدعاني لأختبئ بجيبه الصغيرة ليحضر طعامه فكنت مختبئ وأسترق السمع من بعض المساجين الذين اصطفوا على طابور الطعام فكنت أستمع لشخص اسمه فيصل أبو شفة يناطح ويقاتل زميله السجين أبو المواس والقناوي ويهدده بافتعال علامة فارقة بوجهه إذا لم يعطيه طعامه لهذا اليوم من شدة جوعه فيقول له(وعرظ أختي لأظربك موس من الذان للذان) ويرد عليه أبو المواس (أفسح لي مجال يا أبو الرجال) ولا بخليك تندم على اليوم اللي نولدت فيه وأنسيك حليب أمك اللي رضعتك إياه وبصراحة بلشت أخاف لحدا يشوفني ومن شدة الجوع ليعملوها ويأكلوني
    وصل طابور الدور لهذا الرجل الطيب فأخذ بعض اللقيمات وخبأها لي بجيبه الصغيرة وما أن شاهده فيصل أبو شفه يخبئ الطعام بجيبه هم عليه بالضرب المبرح وحاول سرقة الطعام منه ووضع يده المتسخة بجيب هذا الرجل وأصبحت أعتقد بأني سأموت من الرائحة النتنة حتماً التي كانت ملتصقة بيديه وعند ملامسته جسدي الناعم أخذني من جيب الرجل الكبير وجلس ينظر إلي بنظرات السرسرة والزعرنه وبدأ بتحريك الموس على جسدي الناعم فقلت لحظتها هذا يريد ألف عصفور حتى يشبع فكان ضاحكا ومهددا إياي بأشد ألوان العذاب قبل قتلي وسحق رقبتي بالمقصلة التي ورثها من رئيس العصابة المتوفى منذ أعوام فكان الرجل الكبير غاضبا وحاول فك اسري من يد هذا القاتل ومن هنا ومن هناك أذكر آخر مرة رأيت بها الضوء كانت عندما ضرب الرجل الكبير ووقعت أنا أرضا فعندما رآني الرجل المسن بأني على وشك الموت هم بالضرب المبرح لأبو شفة الأزعر يمينا وشمالا إلى أن فارق الحياة وأعادوه للسجن الانفرادي ولم يشمله العفو فكان ينتظر الرجل المسكين صديقه الوحيد،،، العصفور صديقه العزيز وقام رجلا بإبلاغه بأني فارقت الحياة وسخط هذا الرجل على الدنيا بأسرها وجلس هناك بالركن وحيدا كما كان يبكي ويقول فتلوا صديقي الوحيد الذي كان مستمعا جيدا لي منذ عشرون عاما لم أكن سعيدا كالبارحة فاليوم قتلتم فرحتي وسأبقى سجينا حتى الممات،،،،،
    وما زال هذا الرجل ينتظر فسحة من الأمل والنور القادم من بعيد بنهاية الطريق وينتظر أي عصفور قادم من بعيد.

    مع أمنياتي لكل المظلومين بالخروج من السجن قريبا وإفساح المجال لهذا السجين بأن يعود للحياة الطبيعية ومساعدته قدر الإمكان لاسترجاع ما سلب منه من سنين ومن حنين،،،،

    عصفور المساجين ،،،،
    هاشم برجاق
    30-9-2010
    الموقع الخاص بالكاتب هاشم برجاق
    www.hashem.jordanforum.net

      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء مايو 08, 2024 2:25 pm